ملامح خطاب شارة مسلسلات الكرتون في فترة التسعينات
تعد مسلسلات الكرتون عنصر الجذب الأول للطفل، خاصة بما تحمله من صور وألوان واشكال تراعي اهتمامه، حيث يتأثر بمضمونها آليًا حسب نشاط الدماغ، وهذا التأثر يمتد على مدى أبعد، حيث بشل لا واعٍ يصبح مرددًا كلمات تلك الأغنيات في حياته اليومية،
وبلغت ذروة الإنتاج الفني الخاص بأفلام كرتون الأطفال في فترة التسعينيات، في ظل عمل شركات الانتاج اليابانية التي ساهمت بشكل كبير مع مراكز الترجمة في سوريا ولبنان على انتشارها بشكل واسع، ومن خلال تتبع عمليات انتاجها فأغلب تلك المسلسلات مستوحاة من روايات وافلام عالمية، وهذا المضمون الأدبي ظاهر في بنية تلك المسلسلات بما تحمله من قيم وأخلاق ومحيط زماني ومكاني تبنى فيه الشخصيات بحدث متفاعل قادر إلى الولوج إلى البنية العاطفية للطفل، وخطابها الانساني المفتوح والمرن جعلها تترجم من اليابانية إلى أغلب لغات العالم، من خلال هذه الورقة تم إعتماد عينة بحث مكونة من خمس شارات لإستقراء تلك الحالة النشطة من الأفلام لرصد ملامح الخطاب الكامن في شارات تلك الأفلام، لأن شارة الأفلام هي العتبة بكل ما تحمله من كلام وسيميائية للوصول إلى مضمون ذلك المنتج المقدم إلى الجمهور: واعتمدت هذه الورقة على استقراء كل من شاراة المسلسلات التالية: (ماوكلي، عهد الأصدقاء، لحن الحياة، الحديقة السرية، نوار).
اعتمد هذه الورقة في عملية استنباط تلك الملامح، على ثلاث مستويات مترابطة من حيث التأثير لكنها مبنية داخل الشارة بشكل مستقل لكنها تعمل معًا على انتاج عنصر التأثير داخل الخطاب، هذه الورقة ترتكز في التحليل على ثلاث مستويات الأول متعلق بالموسيقى و والثاني بالصورة " السيميائية البصرية" والمستوى الثالث متعلق بالخطاب الناتج عن كلمات الشارة، للوصول إلى أبرز ملامح ذلك الخطاب.
بعد تحليل تلك العينة برز ملمح عام مهم وهو متعلق بمستوى لغة الخطاب حيث اعتمدت بشكل أساسي على بنية صلبة قوامها اللغة العربية الفصحى، بكل جمالياتها من استخدام الطباق والترادف، حيث أنها تدعم المعجم اللغوي للأطفال بكلمات كثيرة معبرة حتى على مستوى المعنى والمضمون مثل " وحدك عود غض وطري، والجمع عصا لا تكسر" في شارة كرتون ماوكلي. و" كالخنصر والبنصر والسبابة والابهام، جميعها انامل في باقة فريدة في تل الحياة".
كما أن ملامح الخطاب العام مهم جدًا حيث أنه يرتكز على استخدام مفردات تدل على الجماعة عوضا عن الفردية مثل" لحديقتنا في قريتنا" بأغنية شارة الحديقة السرية و " غدا تكبرون تنجحون تعملون...الاصدقاء" اغنية شارة نوار " هيا نغني... صوتنا ملئ الفضاء ... لم يزل فينا الوفاء" و" حلمنا نهار...نملك الخيال...وخيارنا امل" من اغنية شارة عهد الأصدقاء.
من الملاحظ أيضا أن كلمات هذه الأغاني تختلف بشكل أساسي عن الاغنية الاصلية ومعظم الأحيان يتم تعريب اللحن من خلال إضافة أدوات موسيقية عربية او استخدام الحان عربية هادئة بالأغلب تبعث البهجة والسرور وتشد المستمعين لاستكمال الشارة، ويلاحظ أن الأصوات الغنائية جميلة ومنتقاة سواء كانت فردية او جماعية على حد سواء بحيث يستمع المتابعون لأصوات غنائية تعلق في اذهانهم. من المهم الإشارة الى أن شارات كرتون التسعينات تمتد بالغالب من دقيقة الى دقيقتين
من ناحية التصوير السيميائي نرى في شارات مسلسلات التسعينيات التدرج في عرض الصور حيث هناك متسع من الوقت بين كل لقطة ولقطة وتمتد اللقطة ل 5 ثواني على الأقل. ويوجد تصوير للعنصر الحيواني الاليف حيث يتم رؤية حيوانات مختلفة يتم تربيتها مع البشر ودمجها في الشارة.
نوار (1993)
اغنية الشارة في كرتون نوار تعتمد موسيقى هادئة اقرب ما تكون للسلام الوطني وفرق الكورال التي تستخدم في المناسبات الرسمية ، كلماتها باللغة الفصيحة قوية ومتينة كما تجد مجموعة من الحكم والعبر بصيغة الجمع في كل الحالات وتعبر عن قوة الجماعة كما تذكر الافراد من خلال المجموعة وتميزهم من خلال كونهم جزء من هذه المجموعة الفريدة ، وتحث الكلمات على العمل الدؤوب من اجل تحقيق الغالية وذلك جلي في هذه الكلمات " غرا تكبرون تعملون تنجحون وثمار هذا العمل يظهر جليا في التصوير في اخر الشارة بحيث يظهر كل من الشخصيات عندما تقدم بالعمر بمهنة مختلفة فمنهم الطيار ومنهم الطبيبة ومنهم المزارع وذلك يدل على أهمية التنوع وعدم التمييز بين المهن حيث أنه يتم التركيز في الكلمات على عدم أهمية اختلاف الاشكال ومثال ذلك "وان اختلفتم بالشكل والاسماء والعمر والاهواء والزي والكلام... كالخنصر والبنصر والسبابة والابهام جميعهم انامل "، كما نرى في الصور كيان عائلي منظم مكون من اب وام وأطفال في حياة منظمة يتعاونون في العمل والدراسة ويستمتعون كعائلة ويقومون بالواجبات والاعمال المنزلية. ملامح الشخصيات بسيطة غير متكلفة وجوه ذات ملامح طيبة تدل على الفرح بأغلب الأوقات، يعيشون في بيئة ريفية مليئة بالطبيعة والوانها، ألوان البشرة لدى الشخصيات متنوعة واحجامهم في إشارة الى عدم التمييز حسب العرق او اللون او الشكل، كما ينهي الشارة بصورة عائلية تجمع كافة الشخصيات وعلى ملامحهم علامات الفرح والسرور. بالإضافة الى تناسق في تسلسل اللقطات حيث تجد أن كل لقطة تمتد لمدة خمس ثوان فقط في كل مرة. كما هنالك تواجد لحيوانات اليفة في صورة الشارة مثل الحصان والكلاب.
تم دبلجة الحديقة السرية واغنية الشارة في مركز الزهرة، من غناء رشا رزق تبدأ الشارة بمجموعة لقطات لمشاهد طبيعية مثل النهر والطيور والأشجار والتلال والسهول والازهار تتسلسل برتابة كما تظهر فتاة بملامح غربية وملابس انيقة، لطيفة ومبتسمة وليئة بالحيوية حيث تركض وتغني وتلعب في جميع اللقطات تجول داخل حديقة من صنع بشري محاطة بأسوار كما تتجول في المناطق الطبيعية مع طفل ذا ملامح تميل للون البشرة الداكن بملابس رثة حيث يظهر بأنه يعمل لدى تلك الفتاة. ويلاحظ وجود الحيوانات الاليفة مثل القطة والطوال جانب البشر.
بالنسبة لكلمات وموسيقى الشارة نلاحظ بأنها وبرغم انها تميل للهدوء بشكل عام الا انها تبعث البهجة والأمل وتحفز المستمع حيث تتوارد كلمات خصبة تمنح المستمع القدرة على استشعار الفرح والبهجة وكأنه يعيش في الطبيعة كما لا تخلو من العبر القيمة مثل" ما أجمل ان تسقي الشجرة" و " ان تغرس في اليائس املا" وتشبيه ذلك ب " زرعا يعطي الاثمار" ونلاحظ دلالات على أنه وبالرغم من أن المكان يبدو لأشخاص ذوي نفوذ الا أن الكاتب يبتعد عن التمييز العنصري من خلال استخدام مصطلح "القرية "في جزء "لحديقتنا في قريتنا باب". في دلالة الى أن الطبيعة واللون الأخضر يعكسان الفرح والراحة النفسية يتمثل ذلك في الجزء التالي" يمسح عن قلبي حزني يرجعني خضراء اللون ".
(ماوكلي1990)
تغنى الشارة بصوت طفل وهو ما يتناسق مع كون البرنامج يتكلم عن طفل يعيش في الادغال ، من خلال الصورة نلاحظ تكرار صور الطبيعة من سماء واشجار وحيوانات كما لا يختلف عن شارات الكرتون الانف ذكره ، بالإضافة الى وجود الحيوانات ولكن يختلف عن سابقاته من الكرتون بانها ليست جميعها اليفة ويعود ذلك لقصة الكرتون بحيث يعيش الطفل بالأدغال ، تحتوي كلمات الكرتون على عبر لبني البشر بلسان الحيوانات وتبعا لطريقة معيشتهم " اخلاص حب دافئ...عيش فطري هانئ...لا ظلم ولأخوف ولا غدر ولا احزان " وهو ما كرسالة الى البشر تدعوهم الى المحبة والسلام ومساعدة الغير كما في الاغنية " ساعد غيرك لو تدري ما معنى حب الغير" ، ملامح شخصية ماوكلي بطل الكرتون بسيطة وعفوية محبب وقريب للقلب كما أن هناك تناسق بالأوان يعطي إحساسا بالدفيء والسكينة.
عهد الأصدقاء (1993)
شارة عهد الأصدقاء غناء فردي بالبداية يعتمد بلحنه على الغيتار، لحن وموسيقى هادئة قريبة للقلب وعند الحديث عن الأصدقاء والوفاء يتحول الغناء الى جماعي، بالنسبة للتصورية يبدأ بوصف الحالة التي تتمثل في العمل بالمداخن كما تبدأ بتجمع مجموعة أصدقاء يهتفون ويتسكعون معا بالرغم من أن ملامح الارهاق والتعب تبدو جلية وواضحة عليهم وملابسهم رثة ومتسخة الا انهم يبتسمون رغم كل ذلك ، كما يلاحظ الاختلاف في الألوان وملامح الشخصيات وذلك يدل على عدم التمييز العنصري، يظهر جليا فرح الشخصية بالعودة الى الحياة الريفية فتظهر ملامح الفرح جلية وهو يدير ظهره للمدينة وفي طريقه الى الريف من جديد، وكسابقاتها من الشارات نلمح نوع من الحيوانات بجوار البطل.
كلمات الاغنية مليئة بالأمل والحلم والدعوة لعدم الاستسلام فيسمع المتابعون أحيانا " حلمنا نهار...نملك الخيال وخيارنا امل"
"نستسلم لكن لا ما دمنا أحياء نرزق...ما دام الامل طريقا فسنحجاه"
كما نرى أن الكلمات تدعوا للصداقة والمحافظة عليها " روميو صديقي علمنا معنى الوفاء ... يحفظ عهد الأصدقاء " في إشارة الى أهمية الوفاء وتكرر الجملة كنوع من التأكيد على أهمية وضرورة المحافظة على الصداقة.