تعتبر عتبات مسلسلات الكرتون الموجهة للأطفال (الشارة) بنية دالة على المضمون والرسالة الموجهة إلى المتلقي (الطفل)، حيث تحتوي بنية الشارة على إيقاع موسيقي وكلام (الغناء) وحركة وألوان، يهدف من خلالها المنتج أو مرسل الخطاب إلى تقديم نبذة عن المحتوى، هذا على المستوى السطحي، أما على المستوى الاعمق فإن تلك الشارة بما تحتويه من صور وحركات تكون منتقاة بعناية من أجل ممارسة نوع من السطوة وتكمن في سحب المتلقي نحو مشاهدة سلسلة الفلم كاملة، من خلال إنتقاء مجموعة من الدلالات التي تحاكي رغبات وأحلام الفئة الموجه إليها ذلك الخطاب من خلال الاعتماد على عنصر السيمولوجيا (علم الدلالات).
لذلك فإن تلك الشارات بما تحمله من عناصر ومكونات ترسل دلالة يتمثلها عقل الطفل وتعمل على إنشاء نوع من التفاعل في البنية الذهنية للطفل ليشعر بوجود رغبة في إتمام المشاهدة حتى النهاية، وهذه العلاقة التي تنشأ يصبح لها الدور الأكبر في عملية التأثير على شعور الطفل بمستويات مختلفة، وهذا التأثير لا ينتهي بإنتهاء الشارة أو المسلسل، بل ينقلها الطفل إلى المحيط الذي يعيش فيه، وهنا يكمن الأثر على الهوية النفسية للطفل.
من خلال هذه الورقة سنقوم بتحليل مركبات تلك الشارة لنرصد تأثيرها على هوية الطفل المتلقي لذلك الخطاب، على مستوى الخطاب (الغناء) على مستوى (الصورة) على مستوى (الموسيقى).
المستوى الموسيقي:
تلعب الموسيقى دورًأ كبيرًا في الاستثارة العاطفية حسب طرح فلاسفة العلوم الانسانية، وظهر ذلك بدأت النظريات الموسيقية بالتفاعل مع علم النفس التجريدي، لكن الخطوة الأهم تكمن في ظهور العلوم التجريبية والنفسية التي ولجت بقوة داخل هذا المجال, خاصة مع تطور تقنيات التصوير الدماغي ( الرنين المغناطيسي) والذي مكننا بشكل مباشر من تتبع أثر الموسيقى على دماغ من يسمعها، فهناك آلية سلوكية تبين أثر الموسيقى ع الدماغ وتسمى العدوى العاطفية حيث تنتج عند الطفل نوع من الاستجابات الفسيولوجية، وهي محاولة لترجمة المفاهيم الموسيقية الى صور مجازية في الدماغ حيث ترتبط هذه الموسيقى بالصورة المرفقة وهو الخطاب الأهم.
مستوى دلالة الصورة (السيميولوجيا):
مستوى الخطاب (اللساني):
وبعدما حظيت هذه الدراسة بهذا الاهتمام فقد اخذت تفرعات جديدة ومنها العلاج بالموسيقى وتطبيق نظرياتها .
أغاني الأطفال وشارت الكرتون
لقد حرصت سالي بليث استشاري التطور العصبي ومدير معهد علم النفس العصبي الفسيولوجي ان أغاني الأطفال والشارات المغناة تحسن من الصحة النفسية والشعورية للطفل وتساهم في نجاح عملية تعليم الطفل وتساعد على تنمية تفكيره وغنائهم لها يساعد على تطوير نمو نصفي المخ الأيمن والأيسر على حد سواء وقد تبين ذلك بالرنين المغناطيسي , كما تحسن تحفيز تفكير الطفل المنطقي وخصوصا غنائها في سن مبكرة جدا, كما واضافت بليث ان الأغاني الطفولية توسع مدارك الطفل اللغوية وتزيد من الكلمات الموجودة في قاموسه, فيصبح أكثر صحة بالنسبة للجوانب النفسية والشعورية .
فمثلا شارة كابتن ماجد فيها رسالة رياضية فلسفية سامية وصلت للطفل بلا أدنى شك , وشارة مسلسل أنا وأخي والذي كان وصية الام بوصلة للمحبة بين الأخوين بعد وفاة والدتهما وأغنية ماوكلي وماتحملة من أبعاد أنسانية وعهد الأصدقاء وسنان وبابار وبوياي وهزيم الرعد والنمر المقنع وسلاحف الننينجا والكثير الكثير من شارات المسلسلات الكرتونية وغاياتها المبنية على ادراك عقلية الطفل وقدراته الاستعابية لهذه الغايات .
فالطفل له قدرة استعابية عالية في اللاوعي ولديه قدرة على تحليل الموسيقى , لهذا دأب المهتمين بأغاني وشارات الرسوم المتحركة القديمة على تقديم أعمال تحمل قيما ومفاهيم مفيدة تركز على اللغة بوصفها الوعاء الفكري الذي تترسخ الفضيلة عن طريقه في ذاكرة الطفل
برامج مابعد 2000
اختلفت شارات الرسوم المتحركة في الوقت الحالي ومابعد الألفية عما قبلها , فقد كانت تسهم بشكل كبير في تربية الطفل وتغرس الفيم النبيلة والاخلاق الفاضلة وتقويم السلوكيات والافعال التي تصدر منهم , وذلك من خلال وعيهم بتقديم أعمال تعي جيدا قدرتهم الاستعابية والتحليلية لهذا الجيل الذي تعايش مع الحرب والشتات والأزمات على عكس جيل سبونج بوب وبلاهته وجامبول وبذاءته ووتوم وجيري الذي تغيرت ملامحه وقع جيري وهي يبتسم والخ.....
فبعد تدفق القنوات التلفزيونية ومواقع التواصل واليوتيوب وغيرها أصبحت شارات الرسوم لا تحمل أي معنى يرتبط باللغة او المادة المنتجة حيث نجد انها ترويج لأفكار شاذة بعيدة كل البعد عن بيئة الطفل فتظهر الشخصيات على انهم مشاغبون أو لايحبون الدراسة او لايطيعون أوامر والديهم , فالشخصيات الكرتونية تؤثر تأثيرا كبيرا على هويتهم وأخلاقهم , ومن الصعب أن نجد أعمالا تتوافق وأعرافنا وقيمنا عدا عن أن طبيعة المجتمع الاستهلاكي والمادي اليوم طغت حتى على صناعة البرامج بل هي عبارة عن برمجة لأدمغة الاطفال لمصالح خاصة وباتت تركز على الترويج لشخصية أو لعبة ما او يتم استخدام الشارة مع عدم توافق اللغة و الألحان بموسيقى صاخبة لايستوعب غايانها .
فما يحدث الان في اشارات الرسوم هو كارثي حيث تحد من قدرات الطفل وابطاء عملية المعرفة