عقد مختبر السرديات الفلسطيني التابع لنادي الندوة الثقافي يوم السبت 21/11/2020، ندوة علمية تحت عنوان (آليات السرد والنقد في الرواية العربية)، بمشاركة مختبر السرديات والخطابات الثقافية في كلية الآداب والعلوم الانسانية ابن مسيك في الدار البيضاء/ جامعة الحسن الثاني، بالتعاون مع وزارة الثقافة الفلسطينية و ودائرة الأنشطة الثقافية في بلدية الخليل.تعتبر الدراسات السردية من أهم الحقول العلمية والفلسفية في المجال الانساني والاجتماعي الحديث، ولكننا على مستوى الوطن العربي لم نشهد نهضة فكرية مكتملة الأركان في هذا المجال، ولا زال أغلب النقاد العرب يراوحون بين ما أسست له الفلسفة الأوروبية منذ منتصف القرن العشرين، وخاصة في الحقول البنيوية، و القفز نحو المقاربات الما بعد حداثية، دون وعي بتطور تلك الآليات والبراديجمات تباعًا على ضوء تطور السرديات وبنياتها وأشكالها ومضامينها، أمام هذا البطء في تطور النظرية النقدية العربية تطورت آليات السرد بشكل أسرع نظرًا لعدة عوامل، مما شكل فجوة بينها وبين حركة النقد والدراسات الفلسفية والسردية العربية، مما جعل الباحثين اليوم في مأزق في كيفية الموائمة بين المنتج السردي وآلية النقد.
وهذا الضعف لا زال مستشري في الحركة النقدية العربية و حتى في الدراسات الأكاديمية في أغلب جامعات المشرق العربي، ولكنه أيضًا في تقدم وازدهار في جامعات المغرب العربي التي وعت أهمية السرد وآليات الاشتغال عليها، وكان لها السبق في تشكيل مختبرات سرديات يقوم عليها الآن أبرز المشتغلين في السرد في الوطن العربي ككل برؤية غلب عليها الطابع الفرانكفوني، ثم أصبحت أكثر انفتاحًا على العلوم الاجتماعية والنفس والانثربولوجيا والعلوم التكنولوجية والذكاء الاصطناعي والتواصل.
طرحت الندوة خمسة محاور أساسية من قبل باحثين أكاديميين مشتغلين بالسرد ضمن آلياته المعرفية والفلسفية، حيث تم تقديم أوراق متنوعة، تعلقت بالسرد والنقد وبنياته السيميائية ووقع الذات، وأشكال السرد الحديث منها مهو متعلق بالتخييل العلمي، وأسئلة الكتابة والعديد من الأنماط والادوات والسمات الأخرى في السرد الأدبي:حمل المحور الأول عنوان (سرديات المابعد: تأملات حول النظرية وما بعد الحداثة والنقد الثقافي) طرحه د. محمد الشحات وهو متعلق بمدى استيعاب الأجهزة النقدية العربية الكلاسيكية (البنيوية) للتحولات المعرفية الحادة التي تمر بها العلوم الانسانية في العالم، إلى جانب طريقة تعامل مذاهب النقد الأدبي مع السرديات الحديثة، سرديات المابعد ( ما بعد الحداثة، ما بعد البنيوية، ما بعد الكولونيالية، ما بعد الماركسية، ما بعد الفرويدية، ما بعد النسوية)، حيث يقدم لنا مقاربة عن التحولات المعرفية والفلسفية (الباراديجمية) التي طالت النظرية النقدية في عهد ما بعد الحداثة، في عصر التيه النقدي، الذي يعاني منه الواقع الأدبي العربي بعد الخروج من عباءة البنيوية، والذي أصبح في عهد الما بعد يحمل سمات خاصة به تتسم بالتشظي ولا مركزية الدلالة والوعي المتعدد.
أما المحور الثاني الذي حمل عنون: (فلسطين بعيون مغربية: قراءة في يوميات "أن تفكر في فلسطين" لعبد الله صديق):قدم من خلاله الدكتور ابراهيم أزوغ مقاربة فلسفية في كتاب " أن تفكر في فلسطين" للكاتب عبد الله صديق حيث سيكشف لنا من خلال هذه الورقة عن جوانب التوجه الذاتي في الرحلة المعاصر من خلال انتقالها من مركزية العالم إلى مركزيات أخرى قد تكون الذات من أهم تجلياتها، مما قد يساهم بوجد سمة عاطفة قد تفرز انفعالات تكشف عن أزمات وانفعالات مقاومة لها مردود سلبي بشكل أو بآخر.
وطرح الدكتور سالم الفائدة في المحور الثالث الذي حمل عنوان: (أسئلة الكتابة والوجود: رواية مسارات حادة جدًا أنموذجًا للروائي توفيقي بنعيد): محاور مهمة متعلقة بأسئلة الكتابة وفعل الوجود داخل السرد الروائي من خلال فعل الكتابة الذي يجب أن يبرهن على أنه التزام وحرية ومقاومة للتردي، وإصرار على الحياة، ونوع من أنواع الممارسة للنقد الذاتي ونقد التجربة للكشف عن الذات والمجتمع، لأن سؤال الكتابة هو بحث عن الجذور واستقصاء من أجل البحث عن الشفاء من رغبة قوامها الفكر الحائر والتائه في الوجود.
وقدمت الدكتورة حليمة الوازدي المحور الرابع الذي حمل عنوان: (سيميائيات السرد الروائي: البحث عن الأهواء في رواية شجيرة حناء وقمر للروائي أحمد التوفيق) وهي جزء من دراسة تحليلية وعت أهمية الانفتاح في تلقي النص السردي في الدراسة النقدية على سيموطيقيا الأهواء، لما لهذه القراءة السيموطيقية للنص الروائي من أهمية كبيرة في تتبع الشخصيات الروائية من خلال المسارات التصويرية والسردية والاستهوائية، كما أن المقاربة السيميائية كفيلة بالاجابة عن سؤال مهم جدًا يتعلق في الكيفية التي ينتج عنها المعنى في النص الروائي، ومن خلال هذه الورقة قامت الباحثة بمتابعة المسارات التصويرية للشخصيات الأساسية في رواية شجيرة حناء وقمر، و تقديم الشخصيات الثانوية في علاقتها بالأدوار التيماتيكية مع تحديد البنيات العاملية والمسارات السردية والاستهوائية للعمل.
وفي المحور الأخير تناول الدكتور محمد محيي الدين ورقة بعنوان ( آليات السرد في رواية التخييل العلمي العربية) وهي تعلقت بآليات السرد في رواية التخييل العلمي بما يتعلق بالأنواع والأنساق والبنيات، وكيف ساهم هذا الشكل الروائي العربي من تأسيس لتقاليد وأشكال سردية جديدة في الرواية العربية، على مستوى البناء الخطابي والسردي، وكيف أثرت المضامين المطروحة في الرواية ضمن السياق المكاني والزماني الغير مسبوقة من طرح مضامين متنوعة محورها التفكير العلمي والحدس والتكهن.