العاب البراءة والقسوة في أوَّل أعماله الرِّوائية
"الزَّمن الحسِّي" لـ جورجو فاستا
صدرت عن منشورات المتوسط – إيطاليا، رواية "الزَّمن الحسِّي" للمؤلّف والروائي وكاتب السيناريو الإيطالي جورجو فاستا، وهي الرواية التي «تعدُّ بلا شكٍّ واحدة من أهمِّ الرِّوايات التي ظهرت في إيطاليا في السَّنوات العشر الماضية»، كما وصفَها الملحق الأدبي "التايمز" (TLS)، بينما أقرَّت صحيفة لوموند أنها «روايةٌ أولى متطوِّرة البناء على نحوٍ مثيرٍ للإعجاب»، وذهبت فاينانشيال تايمز إلى القول بأنَّ الرِّواية «كُتبت لأجل قراءةٍ كثيفةٍ ورائعة». ترجمَ الرواية عن الإيطالية المترجم السّوري أمارجي، الحاصل على عدَّة جوائز أدبية في الترجمة، وصدر من ترجماته الروائية عن المتوسط: "البحر المحيط"، لـ ألِسَّاندرو باريكُّو، 2017. "واحدٌ ولا أحد ومائة ألف"، لـ لويجي بيراندللو، 2017. "زهرة القيامة (عجائب الألفيَّة الثَّالثة)"، لـ إميليو سالغاري، 2018. وحديثاً، في سلسلة الشِّعر الإيطالي: "هذا الجسد، هذا الضوء" لـ ماريَّا غراتسيا كالاندْرُونِهْ، و "شاربو النجوم" لـ إرنِستو رغاتْسوني، 2020.
تعود بنا رواية "الزَّمن الحسِّي" إلى عام 1978، في مدينة باليرمو الغارقة في برِّيَّتها وبدائيَّتها، حيثُ يُواجه ثلاثةُ صبيةٍ في الحادية عشرة من أعمارهم، مليئين بالحماسة والأفكار، العالمَ لأوَّل مرَّة. ثلاثةُ صبيةٍ مبكِّري النُّضج، وشهوانيِّين، وحُوشِيِّين، يجوبون المدينة مقتنعين بأنَّهم أشخاصٌ مختارون. من روما، تهبُّ عليهم رياح ذلك العام الفظيع – الألوية الحُمْر واختطافُ ألدو مورو – وبسبب سخطهم من النّزعة الإقليميَّة في إيطاليا، يبدؤون بالانفصال شيئاً فشيئاً عن الواقع ويؤسِّسون خليَّتهم الإرهابيَّة الخاصَّة.
"الزَّمن الحسِّيُّ" روايةٌ قاسيةٌ ومؤثِّرة، تُصوِّر إيطاليا في اللَّحظة التي فقدت فيها براءتها كلِّيَّاً، ولكنَّها أيضاً قصَّة حُبٍّ مكتوبةٌ بنفسٍ شعريٍّ من أوَّل سطرٍ فيها إلى آخر سطر، قصَّة حُبٍّ مستحيلٍ لا يسعنا عند قراءتها إلَّا أن نتذكَّر الأولاد الذين كُنَّاهم يوماً.
حازت الرواية على جائزة (يوليسيس) الفرنسية، وجائزة (Lo Straniero)، وجائزة (Città di Viagrande)، وكانت في القائمة الطويلة لأهم جائزة أدبية إيطالية، جائزة (ستريغا) 2009.
أخيراً جاء الكتاب في 384 صفحة من القطع الوسط.
من الكتاب:
لي من العمر أحد عشر عاماً، وأعيش وسط قططٍ ينهشها الجرب والتهابُ الرُّغامَى. قططٍ ليست أكثر من هياكل عظميَّةٍ مُعوجَّة، مكسوَّةٍ بالقليل من الجلد المتصلِّب، وموبوءةٍ بالكامل لدرجةِ أنَّ المرء يمكن أن يموت إنْ هو أقدمَ على لمسها. ظهيرةَ كلِّ يومٍ تأخذها الضَّفيرةُ* لتطعمها في نهاية الحديقة التي أمام المنزل. أحياناً أخرج بصحبتها. تتقدَّم القططُ نحونا، منحرفةً إلى أحد الجانبين، وترمقنا بعيونٍ هي قطراتٌ من الماء والوحل. بين هذه الكائنات المحتضرة كنت قد تعلّقتُ برُذالتها، بذاك القابع في الدَّرك الأسفل، غائصاً في الهاوية. كان يرهف السَّمع إلى الخطوات ويحرِّك رأسه ببطءٍ، كأعمىً يأتثرُ لحنَ أغنية. بشعرٍ أسودَ منتفشٍ ومنكمشٍ فوق جلدٍ متقشِّر، يجرجر قائمةً تتوارى بين سائر القوائم. إنه يعرج مُذ كان صغيراً، وهو الآن كبيرٌ، لا لحادثٍ وإنَّما لإعاقةٍ طبيعيَّة.
ــــــــــ
*) يستخدم الرّاوي ذو الأحد عشر عاماً أسماء مستعارة لأفراد أسرته المكوّنة من أمّه وأبيه وأخيه ذي الأربعة أعوام؛ فهو يسمّي أمّه «ضفيرة»، وأباه «حجر»، وأخاه «نُدفة القطن».
عن الكاتب:
جورجو فاستا، مؤلِّفٌ وروائيٌّ وكاتبُ سيناريو إيطاليٌّ من مواليد باليرمو 1970. يكتب في الصَّفحات الثَّقافيَّة للعديد من كُبريات الصُّحف الإيطاليَّة كصحيفة La Republica (الجمهوريَّة)، وصحيفة Il Manifesto (البيان)، وغيرهما. حصدَتْ روايته الأولى "الزَّمنُ الحسِّيُّ"، المنشورة في عام 2008، العديدَ من الجوائز كجائزة "مدينة فِيَاغْرانْدِه" في إيطاليا 2010، وجائزة "يوليسيس للرِّواية الأولى" في فرنسا 2011، وكانت من بين الرِّوايات المرشَّحة لجائزة "ستريغا" العريقة لدورة عام 2009. تُرجِمَتْ الرِّواية إلى العديد من اللُّغات كالألمانيَّة والفرنسيَّة والإسبانيَّة والهنغاريَّة والإنجليزيَّة.
في عام 2010 صدرَ كتابه الثَّاني "غربة" الذي يقول عنه فاستا إنَّه هجينٌ بين الرِّواية والمقالة واليوميَّات؛ وفي عام 2012 صدرَ له مع أندريا باياني، وميكِلا مورجيا، وباولو نوري، كتابٌ جماعيٌّ بعنوان "الحاضر". أمَّا آخرُ كتابٍ له فصدرَ في عام 2016 تحت عنوان "لا شيء على الإطلاق: قصصٌ وحالاتُ اختفاءٍ في الصَّحارى الأمريكيَّة"، ويسردُ فيه فاستا، بأسلوبٍ يجمعُ بين السَّرد الصَّحفيِّ والسِّيرة الذَّاتيَّة، يوميَّات الرِّحلة التي قام بها عبْرَ كاليفورنيا وأريزونا ونيفادا وتكساس ولويزيانا بصحبة المصوِّر الأمريكيِّ من أصلٍ إيرانيٍّ راماك فاضل الذي تخلَّلَت صورُه الفوتوغرافيَّةُ صفحاتِ الكتاب.
كتبَ مع المخرجتين والممثِّلتين وكاتبتَي السِّيناريو الإيطاليَّتَين إيمَّا دانتي وليتْشيا إمِينِنْتي سيناريو فيلم "شارع كاستِلَّانا باندييرا" الذي عُرِضَ في عام 2013 ورُشِّح لجائزة الأسد الذَّهبيِّ في مهرجان فينيسيا السينمائي.